سؤال: بعض الآيات تزيد كلمة أو تنقص كلمة للقصة نفسها فهل إختلاف النظم له دلالة في القصة؟
الملمح. تجد قصة موسى في أكثر من سورة لكنها ليست كلها ملمحاً واحداً. وردت في سورة (فاقذفيه في التابوت) ووردت في سورة أخرى (فألقيه في اليم) وكل منهما ملمح مختلف عن الملمح الآخر. لو جمعت قصة موسى u في القرآن كله أو قصة آدم أو قصة نوح أوقصص الأنبياء نجد قصة واحدة فقط من القصص كله التي جاءت بالأسماء وهي قصة مريم إذ ورد ذكر إسمها (مريم ابنت عمران) وإسم ابنها (عيسى ابن مريم) لكن لم يذكر الأسماء في باقي القصص فلم يذكر إسم إخوة يوسف ولا أصحاب الكهف ولا من كان مع قارون ولا غيرهم لأن القصة في القرآن كما قلنا هي ليست قصة وإنما هي مدلول نسير عليه. فرعون مثلاً وصل العلماء على أنه رمسيس الثاني وهذا لا يهم لأن فرعون في الكتاب مقصود به كل حاكم ظالم وقارون يمثل كل من يعبد المال فلا يجب على المسلم الحق أن يقرأ عن فرعون وقارون وغيرهم ولا يستفيد. قصة سليمان مثلاً نقف عندها: سليمان u هيمن على الجنّ والهدهد أحاط بما لم يحط به سليمان على علمه وقوته (أحطت بما لم تحط به) وكذلك قصة موسى والعبد الصالح تمثل لنا أن موسى نبي يتعلم من العبد الصالح فالمولى عز وجل لا يريد أن يغترّ أحد بمعطيات الله تعالى له.
نضرب مثلاً الرجل الذي يصلي جيداً ويعبد جيداً وصادق وأمين ومتقي تأتي عليه لحظات من كثرة العبادة الحقّة يقع في غلطة لا يقع فيها كافر وهذه المعصية تأتي لأنه أصبح على ثقة أنه قريب من الله تعالى فغفل. إذن إياك أن تغتر أو تركن لإيمانك.
القرآن الكريم لفت نظرنا في القصص (سليمان والهدهد) حتى لا نغترّ بالمعطيات. فآدم u في القرآن مثال لكل بني آدم وموسى u مثال لطالب العلم لأنه مهما كاان عليه من العلم سيتعلم ممن هو أعلم منه وسليمان وغيرهم في القرآن الكريم هم أمثلة لشيء في قصص القرآن.
سؤال: الآيات تحتلف كثرة أو قلة لنفس القصة فهل لهذا الإختلاف دلالة من حيث كمّ الآيات؟
القصة واحد لها أكثر من ملمح. قصة آدم جاءت في أكثر من سورة لكنها لها ملامح. وقصة آدم لو أردنا أن نذكرها بإختصار فهي أن الله تعالى أمره أن لا يأكل من الشجرة فأكل منها فأُخرج من الجنة وهبط إلى الأرض بعد أن تاب الله تعال عليه. لكن هذه القصة لهاملامح متعددة في القرآن من أول إخبار عن آدم. قصو يوسف u لما قال ليعقوب (إذ قال يوسف لأبيه) (إذ) تعني: إذكر يا محمد r ساعة قال يوسف لأبيه كأن محمد r عاشها. يوسف قال لأبيه (يا أبت إني رأيت أحد عشر كوكباً والشمس والقمر رأيتهم لي ساجدين) وقال يعقوب (يا بني لا تقصص رؤياك على إخوتك فيكيدوا لك) إذن إخوة يوسف هنا مثال لكل إخوة حقدوا على أخيهم فإن لم نفد نحن المسلمين من هذه القصة فلا نكون قد فهمنا المقصود من القصة. يجب أن أحب إخوتي وأتلافى ما فعل إخوة يوسف بيوسف. وإخوة يوسف اجتمعوا أوجدوا لنفسهم المبررات (إذ قالوا ليوسف وأخوه لأحبّ إلى أبينا منا ونحن عصبة إن أبانا لفي ضلال) ثم طرحوا حلولاً (أقتلوا يوسف أو إطرحوه أرضاً يخل لكم وجه أبيكم) لأنهم كانوا مقتنعين بأن لهم مبرر (وتكونوا من بعده قوماً صالحين) وعملوا الحيلة فالله تعالى يأخذ يوسف من بينهم ويجعله عزيز مصر. القصة واحدة ولكن على مدار القصة هناك ملامح متعددة تعني أحداث مختلفة. عند آدم u مثلاً إذا أردنا الحديث عن قصته فلا يحسن أن نبدأ بقوله تعالى (إني جاعل في الأرض خليفة) وإنما يجب أن نرجع إلى الوراء آيتين من قوله تعالى (كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتاً فأحياكم) أمواتاً هل تعني أنه لا يوجد خلق؟ ثم قال تعالى (وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة) هذه توحي بهذه. ستبدأ الدنيا والخلق ولا يمكن أن نقول أن الخلق بدأ من العدم لأن العدم غير مفترض في وجود الله تعالى.
سؤال: يختلف نهج الآية القرآنية من ترغيب وترهيب وترجي واستفهام وخبر وإنشاء وتمني وغيرها فهل لهذا دلالة وهل هو مقصود لذاته؟
أساس القرآن كتاب منهج. القضية في جزئية المنهج مهمة في أن (الرحمن علّم القرآن خلق الإنسان علّمه البيان) هذا الترتيب من وجهة نظر الإنشاء البشري يكون خلق الإنسان أولاً لكن (علّم القرآن) أي علّم المنهج. لم يأت بشر إلا على منهج لذا تجد في القصة نفسها تحذير وترهيب وترغيب لأن الغرض من القصة التطبيق بعد سماع القصة وهذا حدث بيقين عند المسلمين الأوائل، الحقبة الأولى في الإسلام كانت كلها تطبيق. بدأ التطبيق يضعف ببعدنا عن رسول الله r لأننا ابتعدنا عن المنهج وعن التدبّر. المولى سبحانه وتعالى لم يأمرنا بالقراءة في القرآن كله وإنما أمرنا بالتدبر (أفلا يتدبرون القرآن ) وعكس التدبر (أم على قلوب أقفالها). عندما تقرأ القرآن فقط فلن تفيد لكن الإفادة الحقيقية تكون عند التدبر, ومن قرأ القرآن ولم يطبقه ما أفاد شيئاً.
سؤال: يقول بعض الناس وبعض المستشرقين أن القرآن عندما أهمل الأسماء في القرآن فكأن هذا دليل عجز؟
أذكر ما حدث خلال محاضرتي عن قصة يوسف فرفع أحدهم يده وسألني عن أسماء إخوة يوسف فقلت له ما عليك من أسمائهم وشرحت له الأمر وللحضور فاقتنع الجميع بحمد الله إلا هو فقال لي لو كنت تعرف أسماءهم لذكرتهم ولكن يبدو أنك لا تعرفهم فقلت له لا أنا أعرفهم هذه أسماؤهم وذكرتها له. لكن ما الفائدة؟ إتهام الناس شيء مسلّم به ونحن نعرف الأسماء لأننا تتبعنا واقع قصص القرآن مع كل ما هو موجود.
سؤال: يقول الناس عندما يذكر القرآن إسماً تجدون له مبرراً وعندما يُهمل إسماً تجدون له مبرراً وتقولون لا يهم فكيف نبرر ذلك؟
محمد r عندما بَشّر به عيسى u فقال (ومبشراً برسول يأتي من بعدي إسمه أحمد) تلكأ بعضهم على هذه الكلمة وقالوا ننتظر أحمد. لكن هل عرف الناس أن هذا الرسول لأن ذكره من عهد آدم إلى يوم القيامة كان يجب أن يكون إسمه مشتقاً؟ الذي تدبّر عندما سمع قول عبيسى u (إسمه أحمد) قال في نفسه لماذا قال أحمد ولم يقل محمد؟ لأن عيسى u ما كان يستطيع أن يقول محمد لأن محمد إسم مفعول ومن عظمة الرسول r أن يُشتق إسمه. فهو r قبل الميلاد كان عند عيسى أحمد كأنب بعيسى عليه السلام يقول ومبشراً برسول يأتي من بعدي أحمد مني لرب الناس فإذا ولد الأحمد (إسمه أي صفته) فهو محمد.
في قوله تعالى (بئس الإسم الفسوق) فهل نسمي أحداً الفسوق؟ كلا لأن الإسم هو الصفة. الإسم في اللغة يشتمل على معنيين: إما على الذات أو الصفة. فلما تكلم عيسى u قبل محمد بـ 610 سنوات قال (ومبشراً برسول يأتي من بعدي إسمه أحمد) إسمه أي صفته أحمد. لأنه لما ولد الرسول r سمي محمداً. إسم المفعول من الحمد. ومن عظمة هذا الرجل أنه قبل ميلاده أحمد وبعد ميلاده محمد ويوم القيامة محمود المنقلب وكلها إشتقاقات من الحمد.
سؤال: في القرآن الكريم في قوله تعالى في قصة نوح (يا بني اركب معنا) يقولون أن إسم إبن نوح سآو ونحن نقول سام وحام هما أبناء نوح والقرآن حجب هذا الإسم لماذا؟ ومن أين أتينا بإسمي سام وحام؟
سام وحام أهم إسمين ونوح عليه السلام لم يكن له ولد واحد وهما اللذين تفرعت منهما الذريّة. والذي يهم كنه القصة لا الأسماء. نوح يسمى آدم الثاني أو آدم الصغير لأنه بعد الطوفان بدأت الذرية بمن كان معه في السفينة والذي غرق لا يهم إسمه لأنه غرق, وطالما نحن نتمسك فيما لا يفيد ولا يعني نكون قد ضيعنا التعلم من هذا الكتاب.
بالتالي من الزمن الذي استغرقه أهل الكهف لا يهم وذكر العدد: (309) سنة نأخذ العبرة منها أنه مدّة. العرب يستعملون الألف والأعداد للدلالة على الكثرة (يود أحدهم أن يعمر ألف سنة) الألف تدل على الكثرة في وقتها. وكذلك قوله تعالى (إن تستغفر لهم سبعين مرة ) لا تعني الرقم 70 وإنما تعني الكثرة وكان r يقول لو أعلم أني لو استغفرت أكثر من سبعين يغفر الله لهم لاستغفرت. فالعدد 70 لا تعني الرقم وإنما الكثرة والتهويل. القرآن الكريم نزل بالمدلول اللغوي عند العرب. ويجب أن نأخذ هذا القرآن بما له وبما قال من لدن حكيم خبير كما قال ابراهيم u (إذا قال له ربه أسلم قال أسلمت لرب العالمين) هذا هو الإسلام نسلّم بالقصة كما هي في القرآن ولا نذهب لكتاب عرائس المجالس أو قصص الأنبياء لأن كلها إسرائيليات بعيدة عن لب القرآن. وتأويل القرآن يؤخذ من القرآن نفسه. وفي الحلقات القادمة سنبدأ بتناول القصص من واقع الكتاب بدءاً من سورة البقرة وإذا كان هناك حديث صحيح للرسول صلى الله عليه وسلم في أي قصة سنذكرها.